قصص و روايات

رواية.. نزار قباني و كوخ العائله (الجزء الثاني)

إن الاب لتوه خرج من هوس اصابه منذ الصغر ، وكان الجميع يضن انه مجرد ادمان طبيعي ، كحبك لأكل معين او لممثل او لفلم او لعمل ادبي رهيب ، او كعشقك لرائحة الكتب القديمه والصمغ ، مثل هذه الاشياء تحتمل الهوس والحب ، لكن كيفانش لم يكن يحب رائحة الكتب فقط ! ولا الكتب بحد ذاتها ، انما القراءه بشكل عام ، هو لديه قاعده وقانون يلتزم به وهو ان يقرأ كل ما يقع عليه ناظره ، سواءً من تعليمات بالشارع ، او كتابات بالبخاخ على الجدران ، ان حتى اين صُنعَ المنتج ، ووصفة الدواء التي لا يهتم لها احد.

وكتابات على غطاء الصرف الصحي في الشارع ، لكنه وحمداً لله خرج من هذا الهوس بعد علاج دام اكثر من سنه مع طبيب نفسي ، اما الان ، فقد خشيت العائله ان يرجع له الهوس بعد ان وجد ما وجد ، فحين تقدمت بهار زوجة كيفانش الى جانب زوجها ، ورأت ما رأى العم ، نظر كلاً منهم الى الاخر برتباك وخوف شديد ، لانهم يعلمون كيف كان يصل به الامر الى ان يفلس ويتشرد ، لانه صرف جميع ماله على الكتب النادره والحديثه ايضاً ، يشتري الكتب كأنها الهموم ، لا يلتفت الى اي منها ، تتراكم ولا تجد لها مكاناً بجانب بعضها البعض بل تصبح كالجبل ولا تجد لها مكاناً اخر ، ومرةً يغضب ويشتم لانه وضع كتاباً هنا وعاد ولم يجده . ادركت الابنه يلديز ان اباها لديه كتاب سوف يرجعه الى ما كان عليه سابقاً ، فخافت ولم ترد ان تلقي نظرةً على الكتاب وتمنت لو ينتهي اليوم بمعجزةٍ تجعل هذا الكتاب يختفي ، وقد حاول العم ان يصنع تلك المعجزه بأبسط الادوات ، حيث قال :

– لا لا مستحيل! …. لابد انه منسوخ ، او انه .. او ممكن انه غير موجود اساساً ، يعني ان احداً صنعه ، وما ادرانا ان الامير احمد رحمه الله لديه يوميات ! لا وايضاً في الغابات ! … ياله من امر مضحك ، اعطني اياه يا اخي لا بد ان احداً اوقعه قبلنا لما وجدناه …

مد انجين يده ليرفع الكتاب من امام اخيه ، لكن كما نتوقع لم يسمح له هذا الاخير بأن يأخذ منه كنزه الجديد ، وامره بحركه من يده وهو منغمس بالقراءه ان يذهب عنه .

– عزيزي كيفانش ، يجب علينا ان نطبخ ونتعشى ، هل ستظل على كتابك الى ان نصبح

– تعشوا تعشوا ، لا اريد … او على الاقل اذا جهز العشاء اخبروني .. ثم صمت وصمت الجميع ، واردف هو بعد قليل

بطريقةٍ بلهاء وكأنه مجنون يحدق في نقطةٍ واحده :

– على مر تاريخ خدمتي لم يقع بيدي كتاب مثل هذا ، حتى في اطلاعي على كتب القصر الملكي ، لم اجد مثل هذا هل تذكر اننا وجدنا مثله يا اخي ؟

– ها ؟ لا لا بالطبع ، لكن لمَ لا تعطينا اياه نضعه هناك فوق الرف لكي نأكل قبل ان يتعفن اللحم

قال العم هذا ثم التفت الى ابنة اخيه يخاطبها وقد قطب حاجبيه :

يافتاة ، ماذا تفعلين ! ضعي الولد ارضاً واكملي السلخ ، هيا هيا سنموت جوعاً ، وانتي لطفاً يازوجة اخي ساعديها فهي بلهاء قليلاً مع احترامي لكِ .. لمَ واقفين هكذا كأن مصيبة وقعت ! هيا هيا .

سمع الحاضرون رعد قوي كأنه هو ايضاً تعجب لكمية الارتباك في هذا الكوخ ، فأنزلت السماء ماءً كثيراً ، وبدأت عاصفه قويه هزت نوافذ الكوخ المشبكه ، خاف الجميع اول الامر لكنهم اطمئنوا ، وسألوا الله خيرها و استعاذو به من شرها . ذهبت بهار الى ابنتها وساعدتها واكملت العمل

وراح انجين الى اخاه ، جلس بجانبه ، و بدأ يكلمه ، ويتسائل ماذا وجد في اليوميات ؟

– اتعلم ماهي اليوميات ؟ هي ليست مجرد احداث وقعت في يوم شخص ما ! لكن هذا ليس شخص ما ، اننا هنا نلج الى خلجات قلبه وصليل نبضاته ، نعرف بماذا يحس ويشعر ، انظر انظر هنا ماذا يقول :

شيآن يبعدان الناس عنك ، لسانك و رائحتك .

هل ترى كيف هي عذوبة هذه الحكمه ؟

– لكن يا اخي لا اظن انه من ابتكرها ، اظنني سمعتها من قبل

– اجل لكنني اول مرة اقرأها! هذا هو المذهل !

قاطع هذه الجلسه ضربات الهوا على النوافذ والباب الخشبي ، واهتزاز الكوخ الذي يكاد يُقتلع من مكانه ، سمعوا اصوات لأغصان واحجار تضرب في الكوخ ، والصوت الاقوى دوى في اذانهم من بطن باب الكوخ ، وكان كشخص لديه فأساً يضرب به الباب ، اتى الصوت كسقطةٍ قويه على الباب ، ثم اخذ الباب يُطرق بشكل عشوائي ، نهض العم وتقدم الى الباب ، حاول ان يفتحه بهدوء ليرى الخارج ويرى ما الذي ضرب الباب ، لكنه للأسف لم يستطع حتى ان يزحزح الباب من مكانه و لو لشبر ، كأنه فجاه اصبح جداراً قاسياً ذا وزن ثقيل ، الصق خده بالارض واطل من تحت الباب ، فلم يستطع تبين ما العائق ، فوقف وحاول ان يطل من النافذه ، لكنه ايضاً من شدة الهواء والظلام لم يستطع ان يتبين الشيء . كان الجميع يتطلع ، المرأتان تتطلعان وهما تضعان السيخ في وسط الطائران ، و كيفانش قد ثبت الكتاب على ركبته ، وتوقف عن القراءه ليرى المشهد ، فلما تبين عجز اخوه عن معرفة العائق ، تطوع فاستنتج :

يتبع..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى