رواية.. نزار قباني و كوخ العائله (الجزء الثالث)
لابد انها شجره ، فكوخنا امامه اشجار ضخام إن لم تلاحظ
وربما هذا الطرق المستمر هو غصن لم ينكسر كلياً بعد ، يلعب به الهواء فيضربنا
حفظنا الله يبدو اننا علقنا
انضم الاخوين في شبابهما الى العسكريه ، احدهم في القوات الجويه وهو كيفانش ، والاخر البحريه وهو انجين ، اجباراً من ابيهم الذي تُوفي قبل ثلاثة اعوام ، بقي معهم حتى صاحباه في حياته ، فهو مات وعمره تسعين ، وعمر كيفانش خمس وستون
واخاه انجين اصغر منه بسنتين ، اي ان والدهم تزوج في عمر مبكره ، وانجب الاول ثم الثاني ، اما امهم فلها بيت خاص بها ، وقد فتحت دكان في اسطنبول تترزق منه بجانب البيت ، اما الاخوين الان ، فهم لواءان متقاعدان ، ولهم معارف كثيره ، حتى انهم وصلوا الى معارفٍ داخل القصر بعينه ، لذا فهم على داريه بالتاريخ التركي والعثماني العظيم ، فهم عندما رؤوا الكتاب ، وبالاخص كيفانش فقد كاد بفقد عقله ، كان بدأ يتعافى من ذلك الهوس ، إلا انه بدا انه بدأ يعود ، انه تماماً كالحياة هذا الهوس ، بل هو الحياة بذاتها ، اجل ، ينبع من الحياة وهو الحياة ، لابد ان يكون لغزاً ، الهوس !.
هو الادمان لكن بكرشة مليئةٍ بمتعلقات الحياة واشيائها التافهه التي يراها العقل من الاعلى ويهز رأسه دلالة على عظمة مايرى ، بينما نرى نحن من الخارج ونقول هل فعلاً يصل به الامر الى درجة الهوس ؟ و كأننا نعرف الهوس و عاشرناه من قبل .
انتهوا من الاكل وشرب البيره إلا كيفانش وكان قد جلس على الارض واراح الكتاب على الاريكه ، ولكي لا ينغلق الكتاب على نفسه ، وضع على طرفه احد المخدات وامسك بالطرف الاخر لكي يقلب الصفحه في كل مره ، وبدأ يقرأ ماوصل له وهو يقضم فخذ التدرج باليد الاخرى من دون ان ينظر اليها.
ويشرب البيره من دون ان ينظر الى فتحتها ، و في احد المرات ادخل الفتحه في خشمه فضحك الحاضرون لكنه لم ينتبه هو حتى لنفسه ، واكمل الشرب . كان الهواء والمطر يتناقشان بصوت عالي بموضوع مهم ، بينما يقاطعهم البرق ويعاونه الرعد ، لكن هناك مشارك جديد مع هذه الطبيعه القاسيه ، انه صوت بشري اتى من خارج الكوخ، احد ينادي ، او يطلب العون ، الصوت يُسمع لكن لا يفهم ، واخيراً رفع كيفانش رأسه الى مصدر الصوت ثم نظر الى الحظور بستغراب ، ودفع المخده من فوق الكتاب واغلقه ، ثم قام وحمله معه ، واتجه بخطوات واسعه الى الباب والصق فاه على فتحته الباب وصاح :
هيه ! هل من احد بالخارج ؟ ارجو ان تسمح لنا عدم ضيافتك كما ترى هناك شجره على الباب . ثم لف رأسه والصق اذنه في نفس المكان عله يسمع الرد ، لكن من بالخارج لم يعد امام الباب ، بل لم يقترب من الباب اصلاً ، فليس له مجال للوصول الى الباب ، لذا بينما توقف كيفانش واطرق رأسه ليسمع ، اتى صوت طرق على زجاج النافذه التي بجانب طاولة الطعام ، فقام الجميع الان ، واتجه العم والاب والجميع الى النافذه وسبقهم في المقدمه كيفانش لانه كان اقرب ، فتح النافذه ، فنفجر الهواء المبلل البارد في وجهه ، فتقلصت ملامحه ولاحظ ان الشخص هو زوج ابنته يلديز ، وهو عربي الاصل ، واسمه محمد ، تكلم كيفانش متقلص الملامح :
– ما الذي اتى بك الان محمد؟ الا يفترض ان تكون في القاعده الان؟
– اجل ياعمي لكن … استأذنت قائدي ، ظننت انكم تحتاجون مساعده في هذه العاصفه ، بما انكم وسط غابه
كان محمد يبحث بعينه عن زوجته ، فلما رآها كانت فرحتها
تفوق فرحة لبوةٍ افترست غزالاً لتوها ، فغمز لها واحمر وجهها ، فحدجه الاب بنظرة غيره ، وقال له :
– ايها المشاكس! اني اكلمك ! كيف ستدخل ؟ هل ستقوى العاصفه ؟
التفت الجميع معاً الى صوت اشخاص بالخارج لتجاه الباب ، وسرعان ما وضح محمد الامر :
– اجل لقد جلبت بعض العمال لرفع الشجره من على الباب فعندما جئت اول مره رأيتها ، ثم عدت لآتي بهم هيا هيا اراكم بالداخل
واجل ياعم لا اظن انها ستقوى ، لو انها ستقوى لقوت واستقرت على ذلك و لوجدتني قد حملني الهواء لاكلمك من فوق الكوخ .
يتبع..