رواية.. نزار قباني و كوخ العائله (الجزء السابع)
لازم لازم تشوف لي حل ، تبيني اروح اكلمه انا ؟ اذا انت منحرج يعني
– لا مو سالفة منحرج ، لكن ،…. تدري شلون ، خلني اسوي نفسي مصدوم وبرفع صوتي ، وبعدها تضبط ان شاء الله .
بس اسمع وش اسم المزاد الي شريت منه الكتاب ؟
– ما اذكر والله
– زين
قال محمد ذلك ثم اردف بصوت مرتفع :
– يا الله! من جدك ؟
ثم خرج من بين مقعده والطاوله ، وكلم الجماعه بالتركيه
متوجهاً اليهم بخطى بسيطه وخلفه عبدالله يلحقه :
– الله الله ، لن تصدقوا ، تواً اخبرني عبدالله اخي انه اضاع كتاباً نفس الذي وجده عمي كيفانش ، يا للصدفه! اخرجه لنراه ياعم ان كان يعود له ام لا
– عن اي كتاب تتحدث يا ولدي ؟ لم اجد كتابا ولا باباً !
استغرب الجميع من رد الفعل الحقير نوعاً ما ، واكثرهم استغراباً كان انجين ، حتى انه نظر الى اخيه نظرة حقد للحضه ، واضاف عليها هامساً لاخيه :
– اخي لا يجوز ماتفعل! اخرج الكتاب من مكانه واره للرجل فهو ضيف اخذنا كملجأ له ! الا تخجل ؟ هيا والا اخرجته انا بنفسي وسلمته له ..
تمام تمام ، لكن قل لنا ما صفات الكتاب ؟ اي شكله ولونه وتفاصيل الغلاف ؟
اخبر عبدالله جميع التفاصيل ، حتى انه قال ان هناك مقوله بالعربيه كتبها شخص ممن تداول الكتاب على مر الوقت ، في بطن الغلاف الايسر ، لكنها لا تعود الى اكثر من سنتين ، تخالطت مشاعر كيفانش ، فالرجل ذكر جميع التفاصيل حتى اماكن التشققات والتلف البسيط وكثرته ، والان يذكر ان هناك كلام بالعربيه ، لكن كيف لم يلاحظه هو ؟ فتح الغلاف الايسر واسقط نظره في بطنه ، فوجد فعلاً كلاماً عربياً بخط جميل ، وحبر ازرق حديث ، لكنه لم يفهم الكلام ، لذا فقد نادى بنته التي قد علمها زوجها بعضاً من العربيه ، فهي الان تعرف تتهجى وتعرف المعنى نوعاً ما ، فجعلها تقرأ ، فأخذت تتهجى
حرف حرف بصوت غير مسموع ، حتى انتهت وهزت رأسها لأبيها ، وقالت لا يعلم هو لماذا :
ماشاءالله نص جميل جداً
حسناً يابني ، اذا كان الكتاب لك، اخبرنا ، ما الذي كُتِبَ
في بطن الغلاف ؟
غضب انجين من هذا التصرف الوضيع ، وجر الكتاب من بين يدي اخيه ، واغلقه وهو يقف متجهاً الى عبدالله ، وسلمه اياه ، عندها سمع كيفانش يضحك بصوت مكرر وهادئ كصوت مروحية بعيدةً كل البعد ، فالتفت اليه وسأله مابه ؟
فرد بأشارة من يده وهو يقوم من الارض ويجلس على الاريكه انه بخير ، ووضع رجلاً على رجل ، ثم قال بهدوء :
كما يقول ابني محمد دائماً الحلال لا يضيع ، بارك الله لك فيه يا ولدي ، ولعلمك العاصفه فرت ، والمطر توقف ، ان اردت …. المبيت هنا فمرحباً .
ادرك عبدالله هذا اللغز الجبان ، وقهقه بشكل عالي ومستفز ، وصوت ضاحك :
– لا تقلق ياعم ، سأخرج الان وحالاً ، شكراً لكم على الشاي الطيب والاستضافه الحلوه. ثم التفت الى محمد فأشار له هذا الاخير نحو الباب وهو يقول :
امش خلنا نخاويك لين عند الباب
خرج الاثنان في الليل الاظلمِ ، وقد صارت الساعة الان قبيل منتصف الليل ، وتمشيا بين الاشجار التي كانت تتساقط منها
ثمار من زمان بعيد ذات بذور الذكريات ، اخذ تتساقط و تنفقس كالبيضة على التراب الذي صار طيناً الان من وقع المطر ، ثم تتصاعد الى اذهان الصاحبين ، وتزورهم اوقات مضت بعيداً ، لكنهم في نفس اللحظه احسوا بأن هذه الاوقات كانت جميعها بالامس ، فلحظة يضحكون ولحظه يتنهدون ولحظة يحزنون ، لكن اغلب احاسيسهم في هذه النزهه هي الضياع الابدي ، بين ثنايا القلب والشوق .
هناك شيء يجب التنويه عليه ، وهو عندما خرج الاثنان ، لحق بهم كيفانش الى الخارج ، ثم تركهم يتنزهون ووقف عند باب الكوخ ، اخرج هاتفه ، واتصل بشخص ما ، وقال له وهو يمهن النظر في الرجلين الذين اصبحا بعيدين الان :
اسمعني جيداً
محمد يا اخي ، الم تلاحظ شيء على عمك ؟ انه متصنع متكلف في الابتذال ، انه مع كل فعل احس انه يضمر نيه ليست كما يظهر لنا ، وكأنه ابليس لكنه يستغبي
لا اعلم ، اراه كما اراه لم الاحظ ما لاحظت
صدقني ، هناك شيئاً يخفيه ، وستعلم اذا علمت اني على صواب … لا لا ، صدقني فيه شي .
دعنا من كل هذا الان ، دعني اسألك ، ما هو المكتوب في بطن الغلاف ؟
ههههه ، لم لا ترى بنفسك. قال عبدالله هذا ومد الكتاب لصاحبه ، اخذ محمد الكتاب ، وفتح على مكان المقوله ، وقد قرأ مصدر المقوله قبل المقوله نفسها ، فابتهج بالقائل قبل معرفة مقولته :
كارثة ان يجتمع عقل ناضج مع قلب عاطفي في جسد واحد
نزار قباني
الله ، ما اجملها ، لكن صحيح يا اخي ، هل هو فعلاً للأمير العثماني؟
الكتاب ؟
– اجل و ماذا تظن ؟
ثم اعاد الى عبدالله الكتاب ، فأخذه صاحبه وهو يقول :
– اجل له ، حتى ان يومياته تتوقف عند 1944 ، تماماً عندما تولى رئاسة السلاله العثمانيه ، لكن الغريب في الامر ، ان هذا الامير لم يعرف عنه شيء كثير ، مجرد رؤوس اقلام ، لكنه في هذه اليوميات يذكر خواطر ومواقف له تكاد تكون ادباً مستقلاً
ثم نزع حقيبة ظهره الجلديه ، ولبسها من الامام محولاً اياها الى حقيبة صدر ، وفتح السحاب ، وادخل الكتاب بكل حذر ، ثم اغلق الحقيبه واعادها الى ظهره .
– و بكم اشتريته ؟
لم يرد عبدالله الاجابه لسبب هو نفسه يجهله ، احس انه لا يحب ان يخبر صاحبه ، المهم انه اشتراه ، وقد ساعده على رغبته هذه ماقد عارضهم في الطريق الان ، وقد كانت ضحكاتٍ لفتيات ، ويبدو انهم ليسوا اكثر من اثنتين ، وقد اتضح ذلك عندما لحقا مصدر الصوت ، فوجدا وسط مجموعة اشجار ، مظلةٍ ارضيه كبيره ، وتحتها فتاتان قد اشعلوا ناراً بينهم ، وتبرعوا بكفوفهم سلاماً للنار ، وبجانبهم دراجةً ناريه في مؤخرتها صندوق بلاستيكي اسود معلق ذا غطاء . لما سمعوا صوت احدٍ قادم ، خافوا بالطبع ، لكنهم اطمئنوا لما رأو القادم من البشر ، فادببة في هذه المنطقه كثير ، على كلٍ ، كانت الفتاتين – كلاً منهما مغطيةً نفسها ببطانيه واسعه ، ولم يظهر غير رأسيهما مربوطان الشعر الى الخلف . كانت احداهن تدخن ، والاخرى تشرب بيره ،
تزحزحو عن مكانهم بعد شهقة الخوف الاولى ، ورحبوا بهم بتردد وحيرة شديده . فتكلم محمد بلهجة رقيقه :
– ما الذي اخرجكن في هذا الجو ؟ قبل نصف ساعه كانت العاصفه تخلع الشجر من مكانه ، منذ متى وانتم هنا ؟ هل تحتاجون لشيء ؟
تضاحكوا الفتاتان بقهقهه اقرب الى الهستيريا ، ثن تكلمت الفتاة المدخنه بضحكة مكبوته :
– اهلاً بكم ايها الشباب ، لا تقلقوا وشكراً على لطفكم ، لكن لدينا كوخ قريب من هنا ، فلما وجدنا الجو ركد قليلاً قررنا الخروج هنا للشواء والتنزه ، تعالوا انضموا الينا ، نحن لم نبدأ الشواء بعد.
– شكراً جزيلاً ، نحن مجرد عابرين ، لكن لفتنا جمالكن وصوت الضحك وتراقص السيجاره بين اصابعك ، فهلا تسمحِ لي برقصة مع احدى اخواتها ؟
قال عبدالله هذا موجهاً كلامه الى المدخنه ، وكان كل مايريده هو سيجاره ، واراد ان يجمل الطلب بالمجاز والكلام الكثير .
اجابت عليه الفتاة بصوت رقيق ، من تلك الاصوات التي تجتاحها دائماً ضحك كثير :
– لم افهم ماذا تقول انت ؟
– كان يريد القول انه يريد سيجاره ان سمحت
– اها ، ظننته يقول لغزاً ، بالطبع تفضل
اطلت الفتاة في حقيبتها واخرجت علبة السجائر . وفتحتها
ومدتها الى عبدالله ، مد هذا اصابعه واخرج واحده من بطن امها ، ووضعها في فمه ، واخذ ولاعه من الفتاة واشعل سيجارته ، وارجعها لها ، ثم نفث الدخان ، وقال :
– هيا شكراً لكم ، مع السلامه
– انتظروا ، الن تجلسوا معنا ؟ ماذا ان هجم علينا دب قوي ؟
تكلمت فتاة البيره بنبرة التوسل و التدلع . قرر الصاحبان
بنظرات مفهومه ان يجلسوا مع هذين القمرين ، جلسا كلاً بحانب فتاة ، لكن على مسافة محترمه ، بينهم ، وسأل عبدالله عن اسم المدخنه لانها هي من اعجبته منذ البدايه ، فأجابت بأن اسمها آمنه ، اما الاخرى ، فكان اسمها دلال .