رواية.. نزار قباني و كوخ العائله (الجزء السادس)
كانت هذه جملة تأكيد من كيفانش للتخلص من عبدالله بأسرع وقت ولو على بعد عشرة امتار ، لكي يتسنى له الحديث مع اخوه بشأنه ، وماذا يفعل ان كان هو صاحب الكتاب ؟
ولن يسأله هل يعطيه الكتاب ام لا ، لانه اساسا لن يعطيه
حتى لو كان ملكه . وكأن الكتاب الان صار لحمةً متصلةً بقلب كيفانش كبندول الساعه الرقاص .
جلس محمد مع صاحبه على طاولة الطعام ، استحل عبدالله
كرسياً ظهره الى الصالون ، وقابله محمد ، فصار يرى صديقه
وعائلته خلفه ، وقد لاحظ في اثناء حديثه مع عبدالله ان كيفانش واخاه انجين يتناقشان في موضوع بصوت منخفض
وحركاتٍ حاده وكأنهم صم بكم ، واغلب الحركات كانت
تصدر من كيفانش ، فهو يشير الى رأسه بسبابته او يشير الى الخارج بيده ، ثم يقلب يديه دلالة الكلام . على كلٍ : ايه خبرنا عنك ، شعندك بتركيا ؟ و شلون جيت للغابه هنا ؟ وليش ؟
كان هذا صوت محمد ، فعبدالله لن يسأل عن سبب وجود
صاحبه في هذه الدوله لانه يعلم ذلك مسبقاً ، فقبل سبع سنين خرج محمد لدراسة القانون في تركيا . وتوظف هناك بعد تخرجه ، وكانت مدة الدراسه 4 سنين ، والذي يعلمه عبدالله ان الفتاة يلديز كيفانش كانت طالبه مع محمد وقد وقع في حبها ، وقد كانت من الفتيات اللاتي يتسترن بعض التستر المقبول ، فخطبها من ابوها وانجب طفلته بعد سنه من الزواج ، لكن مالم يعلمه هو ان صاحبه انجب فتاة .
والله الصراحه الحال الحمدلله ، لكن ياخي … عاد تذكر انت شلون كنت احب الكتب حيل
ايه لا يكون بطلت ؟
– لا افااا تزعلني كذا ، للحين ، لا وابشرك وضاع علي كتاب تاريخه اكثر من نص قرن وللحين مغبون ، تخيل طاق درب من بلادنا الى هنا عشان اشتريه من مزاد ، ويوم شريته طلعت في رحله تعريفيه للغابه، وضاع مدري شلون
ضحك محمد بأعلى صوته ، وهو يقول :
يولد من جدك ؟
ايه والله شفيك!
– شلون شكل الكتاب ؟
– كذا قديم ، احمر غامق ، ورق بني ، شكل اي كتاب قديم ، ياخي هو يوميات لأمير عثماني متخيل ؟ ترى مو لأي شي اسافر هذي المسافه ، قلنا احب الكتب بس مو خبل الى هالدرجه
ابشرك ان عندنا واحد خبل هنا
عجيب ! من لا يكون العم ؟ لان لاحظت الكتب الي صافها ورا الصاله ، و من خبرتي واضح انها نادره حيل ، مايمدي اسرق شوي ؟
لا يولد فكنا حنا بالموت لقينا تركيه ناخذها لا تخلينا نطلقها بسببك
قال محمد هذه الاحرف المركبه بضحكة لطيفه مدركاً مزاح صاحبه . لم ينقطع هذان الصاحبان عن بعض ، مع انهم فرقهم القدر ، ذهب محمد للدراسه ولم يعد ، وبقي الاخر في بلاده ، لكنهم كانوا على تواصل ، وكلٌ منهم يعلم بأخبار الاخر بين فتره واخرى ، وتذكر محمد ان صاحبه اخبره قبل اسبوع تقريباً انه وجد مزاداً واعجبه ، وانه سيزوره قريباً ليذهبا معاً اليه ، لكنه لم يحدثه بعدها ، وها هو فجاه يظهر بصدفه رهيبه ، وعلى نفس بقعة الارض ، يا للقدر !
بعدين تعال ! وش عندك جاي هنا ولا تعطيني خبر ؟ والله انك ماتستحي
– ياخي تكفى والله على اني بعلمك ، مسوي لك مفاجأه يعني ، ترى ماجيت الا قبل امس ، امس المزاد ، شريت الكتاب وطلعت الرحله الخرا لا عادت رحله ، ويا محاسن الصدف هذا حنا
ما عليه ما عليه ، ايه تقولي …. علومك مع صاحبك ؟
قال محمد وهو يغمز . فزفر عبدالله زفره ليس من رئتيه
انما من قلبه ، فلو قيست درجة حرارة هذه الزفره ، لإتضح انها بحرارة الزمان وتقلباته ، ثم اشاح نظره من وجه صاحبه
واخذ يحدق في خطوط طاولة الطعام الخشبيه حتى كاد يعرف من اي نجار خرجت ، ثم قال بسخريه :
هه … صاحبي ؟ صاحبي روَّح يا حمُّود ، صار صاحبي الي في اغنية طلال ، اسأل عليه واجد فينو زمان غايب .
افا وش صار ؟ ليش ما علمتني ياخوي يمكن بيدي شي اسويه !
يرجال خلها على الله ، الموضوع صار له سنه يعني من زمان خالص ، ومابغيت انكد عليك وانت عندك اهل وعايله وش لك فيني وفي خرابيطي
شوف عبود ، شكلك من زمان مافي احد عطاك طراق
عدل افكارك ، مابينا ، همومك همومي نسيت ؟
هنا اتى كيفانش وحطَّ صينيه الشاي وكاسان الشاي و ابريقه ، وسكر خارجي . وحمدلله عبدالله على هذه المقاطعه حتى انه اراد ان يحضن كيفانش ويقبل رأسه ، لكنه بالطبع لم يفعل .
تشكردريم آبي
سلمت ياعم
العفو العفو سلمتم ، بالعافيه ، سأذهب الى الصالون إن احتجتم شيء
هزا الصاحبان رأسيهما دلالة الفهم ، ووضع محمد ملعقتين في كاسه وعبدالله اذاب السكر بقدر ملعقه في قعر البركان الحلو ، وبدآ يصنعون دوامات داخل الشاي بتحريك الملاعق داخله ، وصوت ضرب الملاعق في الزجاج جعلهم يتذكرون شيئاً معاً ويضحكون ، فقال عبدالله بلحن الاغنيه :
ما احلى من اصب وانطيه واقول اشرب اتهنى تن تن تن
لو خاط استكانه يمه اطرب على رنه …. الله يالايام اهخخ
صمتا الاثنان والابتسامه شقت وجهيهم ، وبينما هم كذلك اشار محمد برأسه الى كيفانش عندما اعاد الصينيه
الى المطبخ واتجه للصالون ، وقال :
شفت خوينا ذا ؟ ، اعلمك بشيء؟ …. تراه لقى كتابك طايح قبل كم ساعه ، وزين انه لقاه قبل العاصفه ولا كان راح بلاش
-تستهبل ؟ جد والله ؟ طيب علمه خله يرجعه !
– اصبر اصبر ، ترى هذا جد جد خبل! ترى تونا قبل سبوع كاشفين عليه ، وكان الهوس الي فيه خاف شوي ، بس انه بعد مالقى كتابك ، انجن مره ثانيه ، الله لا يرده زي قبل ، لو تشوف شلون كان ، تخيل انه يضرب وكان ينفس وعلى اي شي دمه محترق ، وتلقاه قدام المكتبه اربع وعشرين ساعه ، يشمشم في كتبه ويقرا اقتباسات خططها من اول ، وملاحظات كتبها فيها .
– حمدلله والشكر ، مال امي دخل اذا هو مهووس ولا لا ، انت تدري كم قيمته ؟ اقدر لو اعرضه الحين اخلي حاكمهم يجي يشترين مني ، لانه اساساً كان مرسل واحد من عملائه عشان يشتري الكتاب ، بس مدري شلون خذيته انا شكله مطفر