رواية.. نزار قباني و كوخ العائله (الجزء العاشر)
لقد كانت خطة عصابة المزاد كالمعتاد في ايام كيفانش ، فهو لم يعمل على رأسهم منذ سنه ، الخطه بكل بساطه تختلف في الاماكن فقط ، اولاً يشتري الكتاب او القطعه النادره اياً كان المزايد ، ثم يتم مراقبته ، اين يذهب ، وبعدها يُعرض عليه رحلةً للسياح إن كان سائحاً إما للغابه او لشلال او لمكان ليس بالمدينه ، او يُعرض عليه رحلة رومانسيه مع عائلته إن كان من اهل البلاد ، ومن ثم يتم التسلل عليه هناك وقتله واعادت البضائع واخفاء الجثه ببراعه .
ويتم اعادة عرض السلع مرة اخرى في مناطق مختلفه ، حتى انهم وصل بهم الامر الى ان يتم عرضها في دول اخرى ايضاً ، لانهم قد ختموا جميع مناطق تركيا ، لكنهم يعودون بعد ان تهدأ الاوضاع .
لكن هذه المره ، كان عبدالله يراقب الجماعه ، وعندما رأى كيفانش المشتبه به في عمليات الاختفاء المفاجئ مع اخيه خارحين للصيد ، رمى الكتاب في طريقهم ثم تراجع وانتظر حتى اللحظه المناسبه ، لكي يشتت عملية العصابه برئيسهم القديم ، وقد كان يعلم ان صديق عمره مناسباً هذه العائله.
لأجل ذلك اخبره قبل ان يصل لحل القضيه بأسبوع انه سيأتي لتركيا ، لكن محمد لم يعلم ان صاحبه كان في تركيا منذ زمن بعيد ومباحثاً فردالياً ايضاً ، ف عندما جاء للكوخ لم يعلم ان محمد موجود هنا . هو يعلم علاقته بالعائله ، لكن المفاجأه التي اسعدته وخففت عنه ضغط التفكير والتحقيق هي وجود صاحبه ومصادفته.
فلما اخبره ان عمه فعلاً مهووس الكتب ولديه مزاد حط على رأسه صاحبه بعد ان تنحى هو ، لم يعد كيفانش مشتبهاً به ، بل المجرم بعينه ، وقد وضع المشتبه رقم واحد في الاختفاء ، لانه قد لوحظ ان جميع من اختفوا حضروا مزاداً للنوادر قبل اختفائهم بيوم على الاقل ، او في نفس اليوم احيان اخرى . وبناءً على ذلك صار مشتبهاً به لملكيته لمزاد للنوادر ايضاً ، وقد كانت خطة عبدالله محكمه ، لكن الاقدار وحدها من لديها خطط لا تفشل.
من المفترض ان يتصل كيفانش بصاحبه يلماز الشاب ، ويخبره بأن يوقف العمليه ، لانه هو بنفسه يريد الكتاب ، ولانه كما فكر عبدالله بعد ان خف الهوس الذي فيه ، سينجرف مع عودته دفعةً واحده اذا رأى قطعة اثريه كهذه وفعلاً هذا ما حدث ، فبينما كان كيفانش يكلم يلماز بالهاتف ، قال يلماز انه ينتظر الفتاتان لتذهبا هم ومحمد لكي ينفذ الخطه ثم اغلق الخط قبل ان يأمره بإلغاء المهمه.
وذهب كيفانش ووضع فوهة سلاحه على رقبة عبدالله ، وسأله اين الكتاب ، وعاد وسأل محمد عن الكتاب وعن صاحبه ، فقط لكي يعلم اين الكتاب ويحتفظ به ، لم تكن له نيه للبيع قط ، لكن ذلك النعسان ذا البدقيه لم يعلموا من اين ظهر ولماذا قتل رجل المباحث من الاساس ، مع انه لم يكن مبتدأً ، لكنه القدر ، او ربما لحظة توتر يضحك القدر نفسه يضحك منها .
في منزل وسط اسطنبول ، كأي بيت تركي ، كل شيء فيه مزدوج ومتقارب من بعضه ورغم ذاك لا يجلب احساس الضيقه ، بل بالعائله وجدةٍ تخيط في احد الزوايا ، وكوب شايٍ وفطور كل صباح . في الساعه الثالثه فجراً في نفس هذا اليوم ، قد عادت آمنه تواً على متن دراجتها الناريه ، بعد ان انزلت صديقتها لبيتها ، عادت لمنزل امها ورمت نفسها على اريكة الصالون، وفتحت الكتاب.
ووجدت انه يوميات ، ولشدة اتقان النسخ والتصوير كأن الكتاب فعلاً قديم جداً ، كان رد فعلها كردود الفعل التي مرت على الكتاب نفسه ، تصفحت الكتاب ، الى ان وصلت تلك المقوله بالعربيه ، لم تهتم بها ، لكنها استمرت ، حتى وجدت اوراق في منتصف الكتاب ، يبدو ان كيفانش لم ينتبه لها ، فهو من شدة هوسه كان يتصفح الكتاب صفحة صفحه ، ولم يصل الى المنتصف حيث يحتوي اوراق A4 ، كتب عليها بالحبر الاحمر باللغه التركيه كلاماً مطبوعاً وليس بخط اليد ، وكان المكتوب ليس جديداً علينا ، فهو تعريف بالقضيه بأكملها ، و بالخطه كلها وكان هناك الفقره الاخيره وهي :
من اسلمه هذا الكتاب ، هو جزء من الخطه في حال قُتلت او لم انجح ، ارجو منك ان تذهب بهذه الاوراق والكتاب وتخبر القصه من اولها الى اخرها للجهات المختصه . واعلم اني سلمت الكتاب لك ، احتياطاً في حال قُتلت ، لكي لا تنجح خطة ابناء الكلاب ، فانتظر حتى آتيك بنفسي ، او الى ان يأتي خبر اختفائي . والرجاء في حال قتلت ، ان تخبروا صديقي محمد هذه الكلمات التاليه ، وهي باللغة العربيه بخط يدي :
طلاب يختبرون في قاعة بارده ، الاغلب لم يذاكر
و قليل المذاكرون
الاغلب تائه يريد من يغشُ منه ، لكن هل من ذاكر يريد ان يغشش زملائه الضعفاء ؟ ام انه اناني حقير ؟
صديقي وحبيبي واخي ، ارجوك ، في ارض الابتلاء هذه ، إن كنتَ ممن ذاكرو الحياة ، فغششهم بالنصائح والحكم … والسلام .