رواية.. القتال لا زال مستمرا
ها قد شارف فصل الشتاء على الانتهاء
لذا ازحت الستائر البيضاء للشرفة وفتحت الباب الخشبية لها و وقفت في الشرفة اللطيفة اتأمل جمال النجوم البراقة و استمتع بآخر نسمات الشتاء الباردة قبل ان تودعني
بينما اداعب فراء قطتي الرمادية الناعم كالحرير التي لاتنفك تحاول تثبيت خصلات قصة شعري الامامية من التراقص مع الرياح
_ولكنها لا تجرؤ على إفساد كعكتيّ ابدا _
ثم تعالا اخيرا صوت غليان الماء فوضعت القطة على الكرسي الهزاز وخرجت من الشرفة مسرعةً للمطبخ وحضّرت كوب الشاي الاخضر الخاص بي ففاحت رائحة النعناع في الارجاء وكالعادة لأني أحب الكتابة على الأرض عدت للجلوس في الشرفة ووضعت الكوب على مقعدي الأزرق الصغير بينما اتكأت على الجدار ووضعت وسادة طويلةً خلف ظهري بينما ثنيت ركبتي للأعلى لأضع الدفتر البنفسجي على فخذي ممسكةً بقلم احمر.
انتقلت قبل شهر أو أقل فحسب لهذه الشقة المكونة من غرفة واحدة واسعة ومطبخ صغير جدا وشرفةٍ ذات اطلالة جميلة لا يُسَّدُ فيها الرياح لعدم وجود مباني عالية محيطة؛ لأسكن وحدي فيها واعتمد على نفسي بعد أن أنهيت المدرسة ولكي احقق حلمي هنا.
والآن حان وقت الكتابة :
قتال مشاعر الجبن والقلق المفرط تلك انتهى بفوزي منذ زمن
ولكني لا ازال اقاتل لا ازال أخوض حرباً أخرى حرباً طاحنةً خَطرة
فالخسارة فيها هي الخسران المبين حقا
لأنها ستسلب آُخراي قبل كل شيء ثم تلتهم طمئنينتي وسكينتي
والفوز فيها هو الفوز بالنعيم الحق
فهذا القتال يقبع داخلي أيضا
اقاتل فيه شرور نفسي!
و أعلم في هذا القتال أمرا واحدا
اني لن أعلم ابدا هل انتصرت ام لا
فلا استطيع قتل هذه الشرور ولا التخلص منها تماما ابدا
فإنّ النفس تمنّى وتشتهي خيرا كان ام شرا
وإنها لتأمُر بالسوء أيضا
فكل مابوسعي هو مجاهدتها ودفعها حتى لا تتغلب عليّ
وان اموت وانا أُجاهد هكذا
هذا كل ما هو مطلوب مني كإنسان
ألا أيأس من روح الله ألا استسلم واقعد او اغفل عن سلاحي لحظة واحدة فيتمكن عدويِّ مني فيسقطني!
فالله سبحانه ذكر في كتابه الكريم
(والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سُبلنا)
فإذا جاهدت سيقويني ربي وينصرني
ومع كثرة المجاهدة
سيثبتني اخيرا على الصراط المستقيم
ويقيني من شر عدويّ وعدوه سبحانه الا هو الشيطان الرجيم الذي هو الداعم والمعزز لهذه الشرور
ولكن كيد الشيطان كان ضعيفا
وانا وليّ هو الله، نعم المولى ونعم النصير
و طالما ان هدفي هو الوصول للقرب اليه ما استطعت
فلن يخذلني ابدا!
لذا لن استسلم ولن ايأس ابدا!
وسأُردد دائما هذا الدعاء المأثور عن رسول الله :(اللهم إنِّي أعوذ بك من شر نفسي ومن شر الشيطان وشركه وان اقترف على نفسي سوءا او أجُرّهُ إلى مسلم
ففي يومٍ ما بالتأكيد ستنتهي هذه المُجاهدة و المُدافعة والحرب الطاحنة بيني _حيث يقويني الله فلا حول ولا قوة الا به_ وبين تلك الشرور التي يقويها الشيطان الرجيم
يوماً ما ستنتهي
حيث سيدفع الله تلك الشرور ويسقطها ويثبتني واكمل المسير في الصراط المستقيم
واسير بكل امان اخيرا حتى اصل لجنةِ النعيم
يوماً ما حتما!
وبينما انا اكتب خواطري فجأةً احسست بجيب بنطالي يهتز فإذا به اتصالٌ من احد زميلاتي في نادي السباحة التي تعرفت عليها بالأمس فقط _فسكان هذه المدينة بالفعل في غاية اللطافة و البساطة _ فحيتني وسألت عن احوالي بعجلة ثم قالت بحماس :
_رينييي انا و الأُخريات قررنا الذهاب للمجمع التجاري الذي افتتح للتو في المدينة مارأيك بالذهاب؟
للأسف لا استطيع
لماذاا؟ سيكون هنالك الكثير من العروض الحصرية والكثير من الفعاليات!
انها جيجي اجل قطتي جيجي صغيرة ولا أستطيع تركها وحدها عليّ الاعتناء بها، ربما سآتي في المرة القادمة
اوه حسنا يبدو أنه لا مفر لا بأس في المرة القادمةِ اذا
بالطبع، مع السلامة
لم تكن الا حجة واهية ف جيجي تحب الخروج ورؤية العالم الخارجي و دائما ما اصحبها معي في نزهاتي ولكني لم احبذ الخروج معهن
فأنا لا أكره خروجات الأصحاب ولكني لا احب الكثير منها
احب الجو الصادق فحسب
من الجميل أن يكون الواحد منا قريبا من الآخرين قريبا من نفوسهم و قلوبهم ولايلزم لذلك كثرة لقائهم بل يلزم ان يجدوك وتجدهم وقت الشدة و وقت الكرب ويكفي السؤال عنهم والاهتمام لأمرهم والحزن عند حزنهم والفرح حين فرحهم
هؤلاء الناس القربين من الآخرين
هم ألطف الناس وجميعنا يحب أن يكون قريبا منهم ويحب ان يسعى ليكون منهم
وانا أسعى كذلك لأكون.
اما المبالغة بالإختلاط مع الناس والمبالغة بدوام السهر معهم من يفعل هذا فقد خان روحه وابدل خلوته مع الله بقراءة كتابه وأداء الصلاة في جوف الليل بالناس فيال خسارته
بالإضافة انه خانها فلم يقعد مع نفسه يفهمها ويراجعها ويدرك اخطاءه وما أهدافه وماذا يحب وماذا يكره! فهناك امور على الانسان التفتيش عنها في داخله ومعرفتها قبل أن يؤثّر الناس عليه.
ولاشك ان تعلم الصحيح وتمييز الخطأ لابد أن يصاحبه قرب من أُناس من أصدقاء ومربين وعلماء وغيرهم، فأيضا مجالسة الناس فيها من الخير؛ فما فائدة تهذيب النفس اذا لم يعكس ذلك في تعاملك مع الناس فينتفعون بك وتنتفع منهم
او كما قال ابن حزم رحمه الله في كتابه :
من جالس الناس لم يعدم همًا يؤلم نفسه، وإثمًا يندم عليه في مَعَادِه، وغيظًا يُنْضِجُ كبده، وذُلّاً يُنكس هِمَّتَه، فما الظن بمَنْ خالطهم و داخلَهم؟!.
والعزُّ والرَّاحةُ و السُّرور و السّلامةُ في الإنفراد عنهم، ولكن اجْعلهم كالنّار تَدَفَّأُ بها، ولا تخالطها.
ولو لم يكن في مجالسة الناس الا عيبان لكفيا :
أحدهما : الاسترسال عند الأنس بالأسرار المُهلكةِ القاتلة، التي لولا المجالسة لم يبح بها البائح .
والثانية :مواقعة الغيبة المهلكة في الآخرة.