رواية.. نزار قباني و كوخ العائله (الجزء الخامس)
ماذا ؟ ماذا تقول انت ؟
اظنهم لم يذهبوا الى الان ، عندما شارفت انا والعمال على الدخول الى الطريق سيئة الازفلت التي تصل الى كوخك ، رأيت على جانب الطريق لوموزين سوداء ، وخلفها شاحنه يبدو انها مخصصه لحمل اسطبل مصغر ، لذا اظنهم لم يذهبوا بعد ، وان لم تخونني عيناي فقد رأيت ركاباً في اللوموزين ايضاً ، و إن لم يخب ظني فقد رأوني هم ايضاً ….
ماكاد محمد ينهي كلامه حتى طُرِقَ الباب ثلاث طرقات سريعه وبيدٍ عصبيه مستعجله ، نظر كلٌ الى الاخر
لثوانٍ ليتأكدوا هل فعلاً طُرِق ألباب ام لا ، وكأن الوقت
سيعود الى الوراء ليُطرق الباب مره اخرى ، لم يعد لكنه تكرر ، وفي الطرقات الثلاث التي تلت الاولى ، تحرك كيفانش من مكانه بسرعه ، واغلق الكتاب ، ودسه تحت الاريكه التي اعتمد عليها في استناده ، وقام بشبه قفزه فإذا هو واقف ، واتجه الى الباب ، وفتحه بالكامل بقوه بيده اليسرى وبشكل آلي جعل الباب كورقة دفتر قلبها الهواء . كان الضيف
رجل في ثلث عمره ، ليس بالطويل ولا بالقصير ، معتدل القد ، حسن الهندام لولا تبليل ملابسه ، ذا لحية صغيره على طريقة الملك فيصل رحمه الله ، والغريب في الامر انه يحمل بيده مطلةً مفتوحةً قد اراد بها احتماء المطر ، لكنها بدت بكل وضوح ان قماشها الاسود قد شُقَّ شقٌ واسع جعل المطر يبلل الضيف طوال طريقه الى الكوخ ، وكان يرتدي حقيبة ظهرٍ جلديه ضد الماء ، واخيراً تكلم الضيف بصوت رزين ومخارج حروف ركيكه يبدو ان صاحبها لا يجيد التركيه تلك الاجاده :
عفواً سيدي ، لكن هل تسمح لي بالدخول ؟
اوه ، بالطبع تفضل اهلاً وسهلاً يا بني
قال كيفانش بترحيبه الرحب ، وفتح للضيف الطريق وهو يمد
يده بأتجاه الداخل ، تقدم الرجل وانزل مظلته محاولاً اغلاقها ، وقد جالت فكره في بال كيفانش ، انه لم احتفظ بالمظله الى ان وصل هنا ؟ لم لم يرمها مادام انها تلفت ؟
ياله من غريب ، ويريد اغلاقها ايضاً ، اظن انه كان يفكر انها ستتشافى طوال طريقه من الطريق السريع الى هنا .
اوه طبعاً طبعاً اعطني وتفضل بالدخول
رد كيفانش على صيفه بهذه الجمله بعد ان قطع افكاره الساخره ايماءة الضيف له بأن يساعده في اغلاق المظله او على الاقل اخذها منه .
لاحظت يلديز ان محمد اعتلت على وجهه ملامح استنكار واستذكار ! كان مستغرباً وفي نفس الوقت يبدو انه رأى هذا الرجل من قبل ! وانه ليس بأي رجل ، انما هو ذا مكانة عند زوجها ، حتى انها سألته بينما كان الضيف يدخل و طرف سرواله يسقي الارضيه الخشبيه بالماء ، سألته ان كان بخير ، وهل يعرف الرجل ام لا ، فرد عليها من دون ان يشيخ عن الرجل نظره بان لا تقلق ليس هناك شيء . وبدا لها ان الرجل عندما دخل القى عليهم نظرة سريعه لم يدرك فيها الوجوه .
توقف الرجل عند شماعة الملابس الملصقه على الجدار
بجانب الباب ، ولم يتقدم اكثر ، وقد كان ضاماً يديه الى بعضها مرتجفاً حتى صار وكأنه خُلِق من دون ذراعين
شكراً لك ياعم
العفوا يا بني ، تفضل بالدخول لا تخجل هيا
قال كيفانش ذلك وهو يطبطب على ظهر الضيف
بعد اغلق المظلة اخيراً وعلقها بالشماعه
ياعم لا اريد ان ابلل الاريكه ، ويبدو ان لديك ضيوف ..
استسلم لسانه للنعاس عند الكلمه الاخيره ، لانه الان ادرك وجهاً واحداً من بين وجوه الحاضرين في الصالون الصغير
حعل لسانه ينتفض كأن كابوساً راوده او جاثوم حط عليه فأردف بفرح وابتسامه :محمد ؟
قام محمد على رجليه وتقلصت عينيه وحاجباه ، ثم ابتسم قائلاً بنبرة لذيذه على الاذن ، لكن معناها في قلب هذين الرجلين فقط ، وفي الذكرى :
-عبدالله ؟ العن شكلك قديم استغفرالله
– اسكت ياولد وش تقول عنك اجل ؟
تقدم الرجلين الى بعضهم وهما يقهقهان ، واصطدم كلاً منهم بالآخر من شدة الاحتضان حتى صارا كجسد واحد نصفه مبلل والاخر جاف ، ثم افلتا بعض ، وامسك كلاً منهم كتف الاخر وابتسما ابتسامه يمكننا منها ان نحصي عدد اسنانهم :
– وين الناس يا اخوي! تعال تعال اجلس ، حيا الله من جانا
– الله يبقيك ، عرفنا على الجماعه ، كأنهم مسلسل
ضحك محمد بفرح شديد وبدأ يتكلم التركيه معرفاً الجميع
بالرجل الى ان وصل الى زوجته ، فتعجب عبدالله من ذلك ، لما رأى الفتاة المحجبه ، ونصف الشال قد غطى وجهها هي وامها خجلاً من الضيف الغريب ، فقال حينها بصوت خفيف ونبرة مقصوده :
– العب يا ولد! منت هين طلعت !
– اسكت للحين ما شفت شي
بقي شخص لم يعرف محمد به ، ولم ينتبه صاحبه انه متواجد اصلاً و لذي اراد ان يعرف به منذ ان اتى صديقه القديم ، خطى خطوة الى جانب الاريكه التي تجلس عليها زوجته وحمل طفلته من حمالتها الورديه وقدمها لصاحبه وهو يقول :
وهذه طفلتي ليلى ، شف ما اجملها
حملها عبدالله بين يديه وقد غمرته سعاده لم يحلم بها :
ماشاءالله ماشاءالله تبارك الله ، تتربى بعزك
صمت ثم اردف بضحكة مكتومه :
ايه ايه طالعه على الرجيلي واضح
اجتاح محمد ضحك لكنه لم يظهره بل قال بكل سعة صدر وغضب متصنع :
خرا عليك
– امزح امزح عاد ، اسمع خلنا نسولف بلغتهم مايصير مطيزين لهم كذا ، خاصتاً العم يزعل عليك وياخذ بنته بعدين
قال عبدالله هذا واعطى ليلى الى والدها ، ثم التفت واردف مخاطباً الجماعه :
– عفواً يا اخوه ، انا ومحمد نعود بالزمن الى الوراء حتى الطفوله ، اعذرونا اذا كان في تفاهمنا بالعربيه من دونكم فضاضه ولو قليل ، وشكراً لكم على الاستضافه الطيبه
ضحك انجين ضحكه خفيفه وقال بطمئنان :
– لا تقلق يا ولد اعتبر نفسك بين عائلتك ، اجلس ان اردت ، وان اردت اذهب مع صديقك وتحدثا على راحتكم
– اجل كما تريد يا بني ، لا تخجل اذهبا يا محمد عند طاولة الطعام وسأجلب لكم الشاي حالاً
يتبع..