قصص و روايات

رواية.. قلبي شتاء (الجزء الثاني)

ثم فجأة رأينا شخص يركض من الداخل. في البداية لم يتبين لنا من هو او ما هو الذي يركض نحونا. الفتيات من شدة الفزع انطلق ب صرخة واحدة وكأنها زمور انذار الحريق. الشباب بدأوا أيضا بالصراخ عالياً. تشابكت الأمور. وما عدت أرى أي شيء.

أصبح المكان عبارة عن فوضى كاملة. الأجساد تتدافع والأصوات تتداخل والأرجل تنطلق في كل اتجاه. تجمدت مكاني. ثم فجأة جذبني ذلك الشاب من ذراعي وركضنا الى اقرب مكان بعيداً عن أسوار الجامعة. جلسنا قليلاً بصمت. ثم نظرت إليه.

نهضت من مكاني وذهبت… حينما عاد الجميع من العطلة الاسبوعية. ضربنا الذهول. كانت جدران الجامعة والمقاعد والألواح البيضاء والخضراء جميعها ممتلئة. بخط واضح كبير وصغير ولآلاف المرات كان هناك أحد قد عبأ جدران الجامعة بكلمتين لا ثالث لهما “الموت لسرور”.

وكانت هذه اول المرات التي اصطدم بها مع سرور في حياتي ولكنها للأسف لم تكن آخر المرات. بل تتالت الأحداث الغربية بالظهور في حياتي بعد ان تعرفت عليها. ولكن لنعد الى الجامعة. كنا مندهشين.

كيف حدث هذا؟ قلت في نفسي أنه من المستحيل ان يقوم انسان واحد بفعل مثل هذا الأمر, لأن كتابة هذا الكم من الكلمات بأحجام متنوعة يتطلب الكثير من الوقت والجهد. ونحن قد تغيبنا فقط ليومين. ثم هناك الحرس, كيف لهم أن ينجو من فعلتهم هذه.

وهل استطاعوا رصد الفاعل عن طريق الكاميرات. اسئلة كثيرة ولا مجيب. يومها كنت أقف في الردهة الكبيرة واقرأ الكلمات بصوت عال. حينها شعرت بأن هناك احداً يكزني في ساعدي الأيمن. نظرت واذا بها تقف هناك تبتسم وكانت تقول لي: اتعرف من هي سرور تلك التي تدور حولها الكتابات هذه الكتابات.

قلت لها بحيرة وبإستغراب كبير: ليس لدي أدنى علم. ابتسمت بعفوية جميلة وقالت: هه هذه هي أنا. أنا هي سرور. كانت جدران الجامعة متروسه وممتلئة على آخرها ب كلمات “الموت لسرور”, “الموت لسرور”, “الموت لسرور”.

بدون ان افكر, كنتُ منفعلا جداً, قلت لها: وماذا فعلتي؟ ابتسمت من جديد, وقالت وهي تهز كتفها وتضحك: وماذا لم افعل؟ هههولكن ألستِ خائفة؟ قالت: أنا؟ وممَ أخاف, من الموت؟ هههوقبل أن أتابع سيل اسئلتي الكثيف, قالت لي وبكل عفوية وبساطة. لقد عطشت, هلا دعوتني لنشرب العصير في الكافيتريا؟ حسناً, أنا لستُ أحب الأمور المعقدة.

ولست احب المغامرات. و لست في طبعي احب المفاجأة. ولكنها بسؤالها ذاك صدمتني. فما كان لي أن قلت سوى: حسناً, احب عصير التوت وماذا عنكِ؟ جلسنا في الكافيتريا, كنتُ منفعلا, افكر كثيراً. افكر بالجامعة وبالجدران. لم تذهب صورة تلك الكلمات من رأسي. هي جلست وكان يبدو عليها انها مرتاحة ولا تفكر بشيء.

كيف لكِ أن تكونين مرتاحة هكذا بعد ما حدث هناك؟ سألتها. اجابت: بأن ما حدث قد حدث ولن يفيد القلق الآن في اي شيء؟ سمعنا في مكبرات الصوت أنهم يستدعون سرور الى مكتب رئيس الجامعة. استأذنت وذهبت. وكانت هذه اول المرات التي تعرفت عليها ولكن ليست الأخيرة فالقصة ما زالت في بداياتها.

الغريب, انه في نفس اليوم الذي حدثت فيه تلك الامور الغريبة, وبعد أن ذهبت سرور الى مكتب المدير لم ارها في الجامعة. بحثت قليلا عنها في المدرجات. هي إنسان ليس من السهل أن يختفي. شكلها واضح جداً, بشعرها البني ذاك وضحكتها المدوية لا بد ان تعرف انها تجلس في نفس القاعة معك. ضحكتها لا تخفى على أي إنسان.

فمن المستحيل أن تمضي خمس دقائق دون ان تصدر ضحكة مدوية يرتج لها سقف البناء. وهي في كل الأحوال لم تظهر في الجامعة في ذلك اليوم. ولكن حدث أمر غريب آخر في نفس اليوم.

لا بل امرين. اولهما انه وحين كنا في منتصف النهار, وتحديداً عند وقت استراحة الغداء, اقتربت تلك الفتاة المصرية مني وسألتني سؤالاً غريبا جدا. كنت قد نهضت من مقعدي واحمل بيدي صندوق طعامك لكي تتوجه الى مطعم الطلاب. فجأة وجدتها تقف أمامي تلك الفتاة المصرية ثم قالت : ازيك, وعامل ايه, انتَ من ايمتى بتعرف سرور؟ حدة عيني توسعت.

انا لست شاباً يهوى المشاكل, لطالما كنت منصرفا فقط لدراستي وليس لي أي علاقة بأي مشاكل كانت. قلت لها بنبرة بسيطة و مرتجفة بعض الشي: فقط ليوم, شربنا بعض العصير معاً صباحاً في كافيتيريا الجامعة. وهذا كل شيء. قالت لي: جميل, أتسدي إلي معروفاً, هل تستطيع ان تخبرني في حال أرادت منك سرور فعل أي شيء آخر.

حركت رأسي دليل الموافقة. قالت: اشكرك, و انصرفت. حينما حل الليل, و اقترب موعد النوم, كان هناك إحساس غريب يحلق في سماء الغرفة. نمت وانا افكر بكل ما حدث معي.

في الحلم, رأيت تلك الكلمات, تكبر وتصغر, تسير و تضحك, ثم رأيت الفتاة المصرية واقفة اعلى جبل كبير و في يدها رأيت ظل سرور. وقبل أن انهض في اليوم التالي: سمعت صوتا يقول لي: ابتعد وانجو بجلدك يا حسام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى