قصص و روايات

رواية.. نزار قباني و كوخ العائله (الجزء الرابع)

كان محمد يلبس معطفٍ جلدي اصفر اللون ، وكان ضاماً نفسه يتقافز من البرد ، وعندما انتهى ركض مختفياً عن ناظرهم ووصلهم صوته يأمر العمال ، وصوت شاحنة الحمل و صفيرها وهي تتراجع طيط طيط طيط ، ثم صوت انقشاع الشجره مع على الباب ، مما جعل الباب حر طليق بين يدي هواء العاصفه يلوح به بلطف لثقله ، ثم واخيراً صوت ارتطام الشجره بالارض بجانب الكوخ ، اعطى محمد العمال حقهم وذهبوا ، وسرعان ما دخل واغلق الباب خلفه وهو ينتفض برداً حتى ان معطفه لم يقيه الوقايه الواجبه ، فتبلل ذقته ولحيته القصيره . الساعه الان التاسعه مساءً ، وقد ركدت العاصفه قليلاً.

و تنادم من بالكوخ ، وتبادلوا الاحاديث والالغاز الممتعه ، كان محمد يحفظ الكثير من الشعر و الالغاز إلا انها عربيه ، فإن ترجمها فسوف تذبل كما تذبل الورقه المحترقه وتتفتت الى رماد ، يا للأسف ، كان يفكر محمد ان هناك امرين لو علمَ الغرب اننا نعلمها ونمتلكها امتلاكاً لقاتلونا عليها ، هي اللغه العربيه ، والاسلام . وهؤلاء الترك لديهم الاسلام لكنهم يفتقرون الى هذه اللغه العظمى ، تلك التي انزل الله بها كتابه.

مع ان اللغه التركيه فيها الكثير من المصطلحات العربيه ، واعني بقولي الكثير اي ان في كل جمله يقولها اي متحدث بالتركية سوف تحتوي على كلمة عربيه حتماً . وارى كيفانش زوج ابنته الكتاب الذي عثر عليه ، فأبدا هذا اعجابه به وسأل كيف عثر عليه ، مما جعل يلديز تتذكر ان هذا الامر اثار فضولها وكانت ستعرفه لولا الاحداث التي تلا بعضها بعضاً فسألت هي ايضاً بتلهف نفس سؤال زوجها :

اجل لم اقل لكم ، الامر بكل بساطه اننا وجدناه انا وعمكِ على الطريق بينما كنا نصطاد … فقط لا غير

كان الجمع الحاضر يتوقع قصة ان لم تكن طويله ستكون

ذات احداث وتشويق ، ليست مجرد جمله تحتوي على كلمتي بكل بساطه ! الذي يعلم بالامر بالكامل كان العم انجين ، فهو حين سمع اخاه يكذب ، نظر اليه بشرود عله يكمل ، فلما احس انه لن يقصص كامل الاحداث ، نطق لكي يؤنبه :

اخي … لم يكن هذا كل ماحدث! تحدث وإلا سأقول انا

ماذا ؟ اقسم ان هذا كل ما حدث ، الم نكن نمشي ووجدناه ؟

هذا ماحدث لا تهذي على رأسي ايها العجوز

– اجل هذا ماحدث اجل صحيح ، لكن ، حدث غيره

– اغرب عن وجهي

– حسناً سأقول لكم ، الذي حدث اننا وجدناه تحديداً فوق اثر لحصان ، بل اتضح من الاثر لأكثر من حصان ، فلما تبعناهم وجدنا انه موكب يبدو لأمير او رجل ذا منصب في الدوله على الاقل ، وزير او غيره ، ولم يدرك بعد في تلك اللحظه انه فقد كتابه ولابد انهم اوقعوا هذا الكتاب ، لكن اباكِ هنا رفض ان يعيد الكتاب لذلك الرجل وتحجج بقوله وما ادراني انه لهم ؟

من هذه القصه ابتهجت الزوجه بهار ، فهي تريد التخلص من هذا العدو الجديد جالب الهوس والجنون :

اذاً فهو ليس ملكاً لنا ! يجب ان تعيده ! لابد ان نعيده ، اخي انجين ، الم تعرف ذلك الرجل المرموق ؟ لابد ان نعيده له قبل ان تحدث مشكله

رفع كيفانش نظره من كتابه ، وبنبرة اقرب الى الصياح قال :

اي مشكله يا مرأه ؟ من قال انه لهم ؟ اساسا لقد ذهبوا على كل حال ، لن يعودوا من اجله ، وان عادوا سيظنون ان العاصفه اتلفته او على الاقل طارت به بعيداً ، كفوا عن الكلام ، هه قالت مشكله قالت …

لكن يا بابا الم تتصفح الكتاب قبل ان تأتي هنا؟ لكان من الممكن ان نتفادى ماوقع قبل قليل ..

القت الام نظره على ابنتها لكي تؤنبها لكن الفتاة لم تصنعت البلاهه وعدم رؤية والدتها ، اما الاب فلم يجب على السؤال بل اكمل يتصفح الكتاب و نرفزه يكاد خشمه ينفجر منها ، لكن لا تخلوا مشاعره في هذه اللحظه من لذه إن لم تكن عظيمه فهي لذه على لسان القلب . إن محمد طوال هذا الحديث كان وكأنه يحاول ان يتأكد من شيء تذكره ، وكأنه يريد ان يخبرهم بشيء مهم لكنه يريد اولاً ان يتأكد هل صحيح ما سيقول ام لا ، ام هل صحيح انه رأى ما رأى ام لا : معذرةً ياعمي ، لكن لا اظنهم ذهبوا !

التفت كيفانش الى زوج ابنته ، وعينيه بدت تشتعل لما ادى اليه

الامر من ازعاج بشأن كتابه الجديد ، والان هذا الولد يعطي بعلومه

قد تسبب بابتعاد كنزه الجديد عنه ؟

يتبع..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى